أهمية الدور الاستشاري للمحامي

قد لا يعي الكثيرون أهمية دور المحامي في مجال المال والأعمال. فللمحامي دور من شقين أولهما الترافع عن الغير أمام المحاكم في الدعاوى، أما الدور الثاني والذي لا يقل أهمية إن لم يكن أهم هو الدور الوقائي المتمثل في تقديم المشورة القانونية التي تنير الطريق لرجال الأعمال وتجنبهم الوقوع في المشاكل بإذن الله. فاستشارة المحامي هي وسيلة لضمان موائمة القرارات والإجراءات التي تقدم عليها المنشأة التجارية للقوانين المعمول بها، وهي وسلة للتأكد من أن العقود والاتفاقيات التي ستبرمها المنشأة هي في صالح المنشأة ولا يوجد بها ما قد يعرض المنشأة لأي مشاكل قانونية مستقبلاً. وقد يعتقد البعض أن اللجوء للمحامي يكون وقت وجود المشاكل والأزمات وعندما تقع الفأس في الرأس كما يقال، وهذا اعتقاد خاطئ وهو نتيجة عدم وعي أو الاستهانة بدور المحامي، وهذا الاعتقاد في رأيي هو سبب وقوع صاحبه في المشاكل.
إن ما دفعني إلى كتابة هذه الأسطر هو زيادة المشاكل التي تصادفنا والتي يكون سببها الرئيس في الغالب عدم تأسيس العلاقة التعاقدية بين أطراف العقد بشكل سليم بالإضافة إلى عدم تحديد حقوق والتزامات كل طرف بشكل واضح في العقود من قبل قانونيين، بالإضافة إلى لجوء بعض أصحاب الأعمال لغير المتخصصين لإنجاز أعمالهم. وهناك قصص عديدة مرت على بعض الزملاء المحامين وعلى كاتب هذه السطور وودت مشاركتها معكم لبيان أهمية دور المحامي الوقائي.
ففي القصة الأولى تعرض أحد رجال الأعمال إلى عملية نصب نتيجة لجوءه إلى شخص غير متخصص وتوكيله للقيام ببعض الإجراءات لدى وزارة التجارة وللأسف لم يعي رجل الأعمال هذا ضرورة عمل وكالة خاصة للمهمة المراد إنجازها فوكل الشخص الأخر وكالة عامة ضمَنها صلاحية مطلقة لإدارة المنشأة، فاستغل الوكيل ذلك وفبرك خطاب تنازل باع بموجبه المنشأة لنفسه ونص فيه على أن صاحب المنشأة قد أستلم قيمة التنازل نقداً، وعندما علم صاحب المنشأة بذلك طالب الوكيل بإعادة أصل السجل التجاري والمستندات الأخرى وبالفعل سلم الوكيل جميع المستندات لصاحب المنشأة، وقام الوكيل برفع دعوى على صاحب المنشأة يطالبه فيها برد مبلغ التنازل المثبت في خطاب التنازل المفبرك!.
وفي قضية أخرى اختلف طرفي عقد توريد مواد غذائية على طريقة تحديد سعر البيع لتلك المواد، والسبب في ذلك الاختلاف أن العقد تضمن فقط أسماء طرفيه والتزاماً من طرف بتوريد مواد غذائية (غير محددة النوع) والتزام من الطرف الأخر بشراء تلك المواد من الطرف الأول، وكان العقد برمته لا يتجاوز نصف صفحة (A4) ! هنا بالتأكيد سينشأ خلاف لا محالة بين الطرفين لغياب الكثير من البنود الرئيسة لازمة لأي عقد ولعدم وضوح حقوق والتزامات الطرفين الكاملة. ولو أن الطرفين عهدا بصياغة العقد لمحامي لكانت البنود أشمل والحقوق والالتزامات أوضح ولتجنب الطرفين وقوع مثل هذا الخلاف البسيط جداً والذي قاد إلى دعوى ستكلف الطرفين الكثير من الوقت والمال.
أخيراً من المعروف أن للمحامي دور المساعد والمعاون للقضاء ولهذا يطلق عليه مصطلح “القضاء الواقف”، وأعتقد أن دور المحامي المساعد للقضاء لا يتمثل فقط في تقديم البينات وتوضيح الدعوى وموضوعها بالشكل الذي ييسر على القاضي استيعابها وبالتالي إصدار حكم عادل فيها، بل إن الدور الأهم للمحامي من وجهة نظري هو الدور الوقائي الذي يجنب عملائه الوقوع في المشاكل القانونية والاضطرار إلى اللجوء للمحاكم، وبالتالي تخفيف العبء على القضاة بتقليل عدد الدعاوى التي ترهق كاهل الجهاز القضائي وتأخذ الكثير من جهد ووقت القضاة.

Comments