الإغراق

ورد في إحدى الصحف المحلية أن الهند أخضعت مؤخراً منتج “الصودا الكاوية” المستورد من المملكة العربية السعودية لرسوم مضادة للإغراق مدعية أن سعر بيع المنتج السعودي في الهند يقل بكثير عن سعر بيعه في السوق السعودية. كما أخضعت تركيا “ألياف البولستر الصناعي” المستورد من السعودية للتحقيق للتأكد من عدم وجود ممارسات إغراقية في بيع هذه المادة في السوق التركية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ما مدى أحقية تلك الدولتين أو غيرهما في فرض رسوم مضادة للإغراق على منتجات الدول الأخرى.
للإجابة على هذا التساؤل لابد لنا من إبانة معنى الإغراق ومن ثم معايير وقوعه وفقاً لاتفاقية الجات (إحدى اتفاقيات منظمة التجارة العالميةWTO ). فالإغراق يمكن اعتباره واقعاً عندما يباع منتج معين في سوق الدولة المستوردة لذلك المنتج بسعر يقل عن السعر العادي الذي يباع به في سوق الدولة المصدرة، بحيث يشكل ذلك ضرراً على الصناعة المحلية المنافسة. ولعل معيار سعر المنتج في سوق الدولة المصدرة (Home Market Method) هو المقياس الرئيس الذي تعتمده اتفاقية الجات لتحديد مدى كون السعر الذي يباع به المنتج في الدولة المستوردة طبيعي أم يقل عن ذلك. وهناك معايير أخرى تستخدم لتحديد السعر الطبيعي للمنتج قد تستخدم عند وجود صعوبة معينة في تحديد السعر الطبيعي للمنتج المغرق بالاعتماد على معيار السعر في سوق الدولة المصدرة لأي سبب.
ولقد أجازت اتفاقية الجات للدولة التي تتضرر صناعتها من الإغراق باتخاذ الإجراءات الكفيلة بإزالة الآثار المترتبة على الإغراق عن طريق فرض رسوم مضادة للإغراق (Anti Dumping-Duty) على المنتج المغرق تعادل هامش الفرق بين سعر بيع المنتج في الدولة المصدرة والسعر الذي يباع به في سوق الدولة المستوردة، ولا يجوز أن تتجاوز الرسوم ذلك الهامش.
ولفرض الرسوم المضادة للإغراق يشترط أن تثبت الدولة المستوردة وقوع الإغراق فعلياً، بمعنى أن تتحقق من أن سعر بيع المنتج في الدولة المصدرة أعلى من سعر بيعه في سوق المحلية للدولة المستوردة. ويشترط كذلك أن تثبت أن ذلك الإغراق يسبب أو يهدد بوقوع ضرر مادي على الصناعة المحلية القائمة، أو يعيق نشوء تلك الصناعة. فإذا لم تكن صناعة ذلك المنتج موجودة على الإطلاق في الدولة المستوردة فلا مجال لفرض الرسوم المضادة للإغراق لانتفاء وقوع الضرر الصناعة المحلية.
ويقصد بالصناعة المحلية هنا المنتجين المحليين الذين يمثل مجموع إنتاجهم أكثر من 50% من الإنتاج المحلي للمنتج المغرق، فلابد أن يتضرر أغلبية المنتجين حيث أنه لا ينظر للضرر الذي يلحق عدد قليل من المنتجين المحليين. كذلك فلابد أن يكون المنتج الذي ينتجه هؤلاء المنتجون المحليون مطابق للمنتج المغرق فلا يعتد بالضرر الذي قد يصيب المنتجين لسلعة مشابهه أو بديلة للمنتج المغرق. ولكي تشرع الدولة في التحقيق في الإغراق ومن ثم فرض الرسوم المضادة في حال وجوده فلابد من تقدم المنتجين المحليين الذين يمثل مجموع إنتاجهم أكثر من 25% من الإنتاج المحلي للمنتج المغرق بشكوى ضد المنتج المغرق، فإذا لم يتحقق ذلك الشرط فلا يحق للدولة البدء في التحقيق في وقوع الإغراق.
أما بالنسبة للمعيار الذي يقاس به الضرر الذي قد يلحق الصناعة المحلية فهناك عدة مؤشرات لوقوع ذلك الضرر من ضمنها انخفاض إنتاجية المصانع المحلية، ارتفاع أعداد العاملة المسرحين من تلك المصانع، انخفاض مبيعات المنتج المحلي، تراجع الأرباح وتراكم المخزون من المنتج لدى المنتجين المحليين.
وأخيراً لابد قبل فرض الرسوم المضادة للإغراق من التأكد من أن الضرر الذي لحق بالصناعة المحلية سببه الأساسي الإغراق وليس سبب أخر. فقد يكون تضرر الصناعية المحلية ليس بسبب الإغراق بل يعود الضرر لعوامل أخرى مثل إنخفاض الطلب على السلعة أو إرتفاع تكلفة الإنتاج أو غير ذلك من العوامل الأخرى.
أما إذا فرضت الدولة المستوردة رسوماً مضادة للإغراق من دون أن تتحقق من وجود الإغراق ومن دون أن تلتزم بالشروط والمعايير التي ذكرناها فإن للدولة المصدرة التفاهم مع الدولة المستوردة لرفع تلك الرسوم المجحفة كخطوة أولى، فإذا لم تجد هذه الخطوة فان للدولة المصدرة الحق التقدم بشكوى إلى جهاز تسوية المنازعات التجارية التابع لمنظمة التجارية العالمية.

Comments