الدعم الحكومي في ضوء قانون منظمة التجارة العالمية

تحدثنا في مقال سابق عن الإغراق وقلنا أنه إجراء تتخذه بعض الشركات بغرض تخفيض سعر السلع بدرجة كبيرة لكي تنافس السلع المماثلة المنتجة في دول أخرى ولكن بصورة غير عادلة لما قد يترتب على ذلك الإجراء من ضرر لمنتجي السلع المنافسة. وإذا كان هذا الإغراق تقوم به جهات القطاع الخاص فهناك إجراء أخر مشابه من حيث النتيجة النهائية (بيع السلع بأقل من قيمتها الحقيقية في أسواق الدول الأخرى ) تقوم به الحكومات ألا وهو الدعم (Subsidies).
ووفقاً لقوانين منظمة التجارة العالمية (WTO) فإن الدعم هو أي مساعدة أو مساهمة مالية أو غير مالية مباشرة أو غير مباشرة تقدمها حكومة دولة عضو في المنظمة أو أية هيئة تابعة لها للجهة المنتجة لسلعة معينة بهدف زيادة مبيعات السلعة في الأسواق العالمية أو بيعها بأسعار أقل من أسعار السلع المنافسة المنتجة في الدول الأخرى الأعضاء في المنظمة.
والدعم الحكومي للسلع ليس جائزاً على الإطلاق وليس ممنوعاً بشكل كلي، حيث أن قوانين منظمة التجارة العالمية قد قسمت الدعم الحكومي من حيث جوازه إلى ثلاثة أنواع (كما وصفها أحد أساتذتنا في جامعة لندن بأنها مثل إشارة المرور). النوع الأول يتأرجح بين الجواز والمنع ( أصفر) ويمكن للدول الأعضاء تطبيقه وفقاً لضوابط معينة، النوع الثاني جائز ( أخضر) ويمكن للدول تطبيقه إذا احتاجت إليه، أما الثالث فممنوع منعاً باتاً (أحمر) ولا يجوز لأي دولة تطبيقه تحت أي ظرف.
بالنسبة للنوع الأول (الأصفر) يكون ممنوعاً إذا تسبب في ضرر لمصالح دولة أخرى عضو في المنظمة أو لصناعتها المحلية، كأن يتسبب الدعم في انخفاض أو وقف صادرات دولة عضو من سلعة معينة إلى سوق الدولة الداعمة، أو أن يؤدي الدعم إلى إنخفاض أو وقف صادرات دولة عضو من السلعة المدعومة إلى دولة ثالثة، أو أن يؤدي الدعم إلى إنخفاض كبير جداً في سعر السلعة المدعومة عند بيعها في سوق دولة أخرى مما يعيق مبيعات السلعة المنافسة المنتجة محلياً في دولة غير الداعمة.
أما النوع الثاني (الأخضر) وهو الذي يجوز ممارسته بشروط محددة من دون أن يكون لبيقية الدول الأعضاء الإعتراض عليه أو إتخاذ أي إجراء مضاد، وهو مثل إنفاق الدولة على التعليم والبنية التحتية ودعم الأبحاث العلمية.
أما النوع الثالث من الدعم (الأحمر) وهو الممنوع تماماً فينقسم إلى قسمين. الأول ويشمل كل دعم يهدف إلى زيادة حجم صادرات سلعة معينة، أما القسم الثاني فيشمل كل دعم يهدف إلى ترويج إستعمال السلعة المدعومة في السوق المحلية وتفضيلها على السلعة المشابهة المستوردة من دولة أخرى من الدول الأعضاء.
وقد يتبادر إلى الذهن تساؤل حول الإجراء الذي يمكن أن تتخذه الدولة العضو المتضررة أو التي تضررت صناعتها المحلية نتيجة لممارسة أحد الدول الأعضاء للدعم الممنوع (الأحمر) أو الدعم الذي يدور بين المنع والإباحة (الأصفر)، وللإجابة على هذا التساؤل نوضح بأن قوانين منظمة التجارة العالمية قد حددت إجراءين يمكن للدولة العضو التي لحق بصناعتها المحلية ضرر مادي اتخاذ أي من الإجراءين لإزالة الضرر بحسب كل حالة، حيث يمكن للدولة العضو المتضررة اللجوء إلى التشاور مع الدولة العضو الداعمة بهدف الوصول إلى حل يرضي الطرفين. وفي حال عدم الوصول إلى حل خلال فترة معينة فبإمكان الدولة المتضررة اللجوء إلى جهاز تسوية المنازعات التابع لمنظمة التجارة العالمية للحصول إلى حكم بإيقاف الدعم. كما يمكن للدولة العضو المتضررة فرض ما يسمى بـ “الرسوم التعويضية المضادة” على السلع المدعومة وهي عبارة عن رسوم تضاف إلى سعر السلع المدعومة بالقدر اللازم لجعل سعر السلع المدعومة مساوياً لسعر السلع المنافسة المنتجة محلياً لإزالة أضرار الدعم وذلك بعد اتخاذ الإجراءات الضرورية التي نصت عليها قوانين المنظمة.